ذاك الوحش أفقدني أغلى ما أملك

قصة حزينة بعنوان ذاك الوحش أفقدني أغلى ما أملك

ذاك الوحش أفقدني أغلى ما أملك 

قصص حزينة
قصة خزينة

تقارب الساعة الحادية عشرة والنصف، في ليالي الشتاء الطويلة يعتبر هذا الوقت متأخراً جداً، كان لديّ سهرة عيد ميلاد واضطررت للبقاء إلى هذا الوقت، دخلت ذاك الزقاق الذي يصفه أبي دوماً بأنه أقرب الطُّرق لمنزلنا، شعرت بالأمان، لم أخف بتاتاً، مع أن الظلام كان دامساً، لعلّي أحسست بأن أبي معي.


وفجأة، دون أي صوتٍ مُسبق، شعرت بيد على كتفي، وسرعان ما أصبحت هناك يدٌ أخرى على فمي، من خوفي الشديد تسمرت في مكاني، لم استطع حتى الصُّراخ، لم أعرف ماهية تلكما اليدين، إن كانتا بشريتين أم غير بشريتين، إلا بعد حين، يهمس في أذني: ”لو صدر عنك أي صوت سوف أقتلك مباشرة“ ويضيف بلكنة ساخرة: ”أساساً حتى لو صرختِ لن يسمعك أحد“.


ظننت أنه أحد التعساء يحاول أن يسرقني فحاولت التكلم لكن ما من سبيل، فيده تلك كانت أشبه بأطراف الأخطبوط، شدني بعنف لا يوصف نحو ذاك الجدار المشؤوم، الذي نكز ظهري بنتوآته البارزة، وكانت يده ماتزال على فمي، بدأ بملامسة صدري بطريقة وحشية وبدأ بالهيث، ولم أستطع رؤية عينيه بسبب الظلمة، في لحظتها حاولت مقاومته قدر الإمكان، لكنه لم يكن أقل صلابة من الحائط الذي كان يحشرني إليه.


حركت يديَّ بطريقة مجنونة وانا أدفعه عني، لحظتها أبعد يده عن فمي كي يثبتهما، فأطلقت صرختي، وسمعت صداها، يبدو أنه حتى الجدران تشترك معه ولا تسمح للصوت بالوصول، بدأت ألعن الآلهة التي خلقتني ضعيفة، شعرت أن كل مافعله الإله من لحظة خلقه الأولى حتى هذه اللحظة يصب في مصلحة هذا الوحش، أطلقت صرختي الثانية وفي لحظتها شعرت بألم شديد في رأسي وطنين في أذني، يبدو أنه ضربني بأداة حادة، بعدها ما عدت مدركةٌ لأي شيء، لقد فقدت وعيي..


فتحت عينيَّ، مايزال هناك ظلمة، إنها ظلمة شديدة، ولكن لا وجود لأي حركة بقربي، شعرت ببردٍ قارص، حاولت النُّهوض لكنني لم أتمكن من ذلك، يبدو أنه جرَّدني من كل ملابسي، تحسست بطني، لقد كان عليه مادةٌ لزجة، شممت رائحتها وتبيَّن لي أنَّها دماء، صرخت وصرخت وصرخت، بكل ما أوتيت من قوة، لكن ما من مجيب، بدأت أدرك أن ليس بمقدور أحد أن يسمعني، فبدأت بالزحف، حجارة الشارع الناعمة، التي كانت منذ قليل مداساً لقدمي، بدأت الآن تنتقم وتخدشني بكل ما أوتيت من حدّة، بعد دقائق من الزحف، حاولت النهوض مجدداً فنجحت بذلك.


وبعد دقائق؛ التي شعرتها سنين، لا بل عقود من المشي المتعثر والمنهك؛ سمعت ضجيج الشارع، ومع ذلك مازالت ظلمةٌ حالكة، فأنا لا أرى أي شيء، سمعت أصوات خطىً ومن بعدها تسارعت وصدر صوت ينادي: ”يا إلهي، هل أنت بخير ما هذا الذي ألمَّ بك؟“ لم أره، أخبرته بطريقة مقتضبة ماذا جرى، عندها شعرت بشيء على كتفي وجسدي، تبين لي أنه وضع عليَّ معطفه، سألته هل الشارع ما زال بعيداً، أجابني أنني في أول الزقاق، تلفت يمنةً ويسرةً، لم أرَ أيَّ شيءٍ، عندها أدركت أن ذاك الوحش أفقدني أغلى ما أملك، من أجل أحد عشر دقيقة من لذته الخائبة لن أستطيع بعد اليوم أن أستمتع بالغروب ولا باللوحات ولا بجمال معشوقي.. لقد فقدت بصري.